https://ar.yassine.net/مفاتيح-الخير
حادي الأرواح، لابن القيم رحمه الله
عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله". رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده ولفظه: "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله
وذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: "بلى، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، فإن ثبت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح
وروى أبو نعيم رحمه الله من حديث أبان عن رضي الله عنه قال: قال أعرابي: يا رسول الله، ما مفتاح الجنة؟ قال: "لا إله إلا الله
وذكر أبو الشيخ من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن سخيرة رضي الله عنهم قال: "إن السيوف مفاتيح الجنة"[1]
وفي المسند من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟" قلت: بلى. قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله
وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به، فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال ﷺ: "مفتاح الصلاة الطهارة"، ومفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدق، ومفتاح الجنة التوحيد، ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر الصبر، ومفتاح المزيد الشكر، ومفتاح الولاية المحبة والذكر، ومفتاح الفلاح التقوى، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة الدعاء، ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه، ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب، ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده، ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ﷺ، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل
وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم، وهو معرفة مفاتيح الخير والشر، لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظُم حظه وتوفيقه، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه؛ كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله ﷺ والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار، وكما جعل الخمر مفتاح كل إثم، وجعل الغناء مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكفر، وجعل الكذب مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر. فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له
والله من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمد، وله النعمة والفضل، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
[1] أخرج ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، قال: سمعت أبي تجاه العدو يقول: سمعت رسول الله ﷺ: "إن السيوف مفاتيح الجنة"، فقال له رجل رث الهيئة: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، فسَلَّ سيفه وكسر غمده والتفت إلى أصحابه وقال: أقرأ عليكم السلام. ثم تقدم إلى العدو فقاتل حتى قتل.